| 0 التعليقات ]


الموهبة هي المادة الخام للنجومية وهي التي لا تولد في صخب المدن الكبرى وشوارعها المزدحمة وأحيائها الراقية وميادينها الواسعة ومراكزها التجارية الضخمة، وإنما تكون متلازمة مع الطبيعة .. فرمال الشواطئ وسفوح الجبال والحواري ذات الملاعب الطينية والرملية هي منابت جيدة لهذه المواهب … بل هي محضنها الأول. ففي هذه الأماكن تترعرع الموهبة حيث تتسابق الأقدام الضعيفة العارية إلى صناعة الإبداع وتتطلع الأعين البريئة إلى مستقبل كروي مجهول، ويبيت الموهوب محتضناً أغلى ما يملك في هذه السن … إنها كرة القدم. ويعيش هذا الموهوب البسيط في واقعه المليء بالحب لهذه الساحرة المستديرة ..

ويكبر الحب يوماً بعد يوم وتزداد العلاقة قوة بين الطرفين وتزداد الطقوس الكروية بين المحبوبين إبداعاً وتألقاً، ويمتد شعاع الموهبة إلى فضاء أرحب .. شعاع لا تخطؤه أعين الكشافة الكرويين الذين يجوبون الدنيا بحثاً عن موهبة هنا أوهناك، يتم اقتناصها وإدخالها في مصنع من مصانع النجوم (مدارس الكرة).
ومصانع النجوم هي التي تتلقى المادة الخام (الموهبة) فتتعهدها بالرعاية الفنية والاجتماعية والمالية حتى تحسن صياغتها وتحولها من مادة بسيطة إلى سلعة غالية تقدر بالملايين. وهكذا يصبح ذلك الموهوب (النكرة سابقاً) أحد النجوم الذين ينتزعون آهات الجمهور ويشار إليهم بالبنان … وتلهث كبرى الشركات للفوز بعقد مع ذلك النجم أو ذاك. وبالتالي يرتفع الدخل من بضع دولارات في الشهر إلى عشرات الآلاف بل الملايين في السنة الواحدة وسبحان مغير الأحوال.

عالمنا العربي لا يقل عن غيره من حيث المواهب، لذلك فتنطبق عليه نفس الحكاية إلا في أجزائها الأخيرة حيث تنقصنا مصانع النجوم. لذلك نرى الموهبة عندنا تظهر وتتوهج وتنطفئ بسرعة قياسية قد لا تتجاوز الموسمين أوالثلاثة مواسم وبعدها يعيش صاحب الموهبة مرحلة الشيخوخة المبكرة في الملاعب الخضراء. ولذلك أسباب كثيرة ومؤلمة يعرفها كل من يعيش واقع الرياضة العربية ويتحسس أنفاسها ويعايش آلامها. ومن ناحية أخرى فقد يبتسم الحظ لفئة من الموهوبين بانتقالهم إلى أحد أندية العاصمة أو المدن الكبرى فيتغير الحال، وهذه استثناءات يحكمها الحظ وبعض العلاقات الشخصية!!. ولا عزاء لبقية الموهوبين الذين يلعب أكثرهم في أندية الدرجة الثانية حيث الاهتمام على (قد الحال) .. والرعاية (على قد الحال) .. والنادي بأكمله (على قد الحال) .. والنتيجة الحتمية هي ضعف إعداد اللاعبين بشكل عام واستغلال الموهوبين منهم في كل فرق النادي المشاركة في المسابقات المحلية في جميع المراحل تقريباً، بالإضافة إلى الدورات الرمضانية التي تدر على اللاعب أموالاً ومخصصات قد لا يحلم بها حتى في ناديه الرسمي !!! … ويكون موهوبنا (من الناحية الفنية والتكتيكية) في وضع من يعطي ولا يأخذ… فلا عجب أن نراه بعدها شبحاً للاعب كان موهوباً !!
في الدرجة الثانية … ليست الأندية هي التي تستحق لقب المظاليم وإنما المواهب هي التي تستحق هذا اللقب ..
المواهب التي راحت ضحية التخبط الإداري … والضعف الفني … والبعد عن الأضواء…
المواهب التي خُنقت في أنديتها بحجة عدم التفريط فيها…
المواهب التي ضاعت فرصتها في النجومية … النجومية التي يحظى بها غيرهم من أنصاف أو أرباع النجوم، وسبحان مقسم الأرزاق…ومازال جميع المهتمين بشؤون الموهوبين في مسابقات الدرجة الثانية ينظرون بحسرة كبيرة إلى تلك المواهب التي تتلاشى سريعاً ولسان حالهم يقول …. حقاً إنهم مظاليم.
تساؤلات:
• هل يعتبر انتقال لاعب موهوب من ناد إلى آخر تفريطاً من الإدارة أوخيانة من اللاعب؟
• متى تتوقف بعض الأندية عن خنق مواهبها مع فرق لا طموح لديها إلا الصعود للدرجة الأولى أو عدم الهبوط للدرجة الثانية؟
• متى تكون لدينا إدارات واعية تجيد التعامل مع المواهب وتمهد لهم سبل النجاح؟
• هل دخول المنتخب الوطني الأول محرم على لاعبي الدرجة الثانية؟

0 التعليقات

إرسال تعليق